فهو صلى الله عليه وسلم شاهد لجمالات الله ، وكمالات الله ، لأنه لم يطلع علي هذا الجمال أحد سواه , لا من الأنبياء السابقين ولا من الأولياء اللاحقين , فهو مقام خاص به صلى الله عليه وسلم
لأن موسي خص بالكلام ,وإبراهيم خص بالخلَّة , وعيسي بالروح , وهو صلى الله عليه وسلم بالرؤية {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} التكوير23
وكان ذلك في مقام أو أدني , ولم يصل أحد إلي مقام {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} سواه ، وكانت الرؤية كما يقول الشيخ محمد علي سلامة في كتابة {الاسراء معجزة خالدة} ص23 :
{رؤية من غير تكييف ، ولا تشبيه ولا زمان ، ولا مكان ، ولا كم ، ولا انكسار آشعة , ولا غير ذلك مما يتوهمه الواهمون ، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا , فقد رآه صلى الله عليه وسلم كشفا وعيانا من غير مسافة ولا حجاب ، ومن غير إحاطة ولا شمول}
وفي ذلك يقول أحد الصالحين :
قد جاوز الملكوت مرتقيا الي قدس النزاهة راقياً أعلي مقام
شاهدت ربك بالنزاهة جلَّ عن كم ِّوكيف عن حدود وانقسام
وقال أحد الصالحين فى ذلك {المقام الذي خُصَّ به صلى الله عليه وسلم وهو مقام رؤية المعبود جلَّ وعلا ، وهو مقام قوسين أو أدني}
وقد وردت الرؤية في روايات كثيرة منها ما رواه أبو الربيع بن سبع في كتابه " شفاء الصدور من حديث ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {أتَانِي جِبْريلُ وَكَانَ السَّفِيرُ بِي إليَ رَبِّي ، إليَ أنْ انْتَهَي إليَ مَقَامٍ ، ثُمَّ وَقَفَ عِنْدَ ذلِكَ, فَقُلْتُ : يَا جِبْريلُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ يَتْرُكُ الخَلِيلُ خَلِيلَهُ , فَقَالَ : إنْ تَجَاوَزْتُهُ احْتَرَقْتُ باِلنّوُرِ , فَقَالَ النَّبيُ صلى الله عليه وسلم : يَا جِبْرِيلُ هَلْ لكَ مِنْ حَاجَةٍ ؟ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ سَلْ اللهَ أنْ أبْسُطَ جَنَاحِي عَلَيَ الصِّرَاطِ لأمَّتِكَ حَتَّي يَجُوزُوا عَليْهِ ، فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم : ثُمَّ زُجَّ بِي فِي النّوُرِ زَجاً ، فَخَرَقَ بِي إليَ السَّبْعِينَ ألْفَ حِجَابٍ لَيْسَ فِيهَا حِجَابٌ يُشْبِهُ حِجَابَاً ، وَانْقَطَعَ عَنِّي حِسُّ ُكلِّ إنْسِيٍّ وَمَلكٍ ، فَلَحَقَنِي عِنْدَ ذَلِكَ اسْتِيحَاشٌ ، فَعِنْدَ ذلِكَ نَادَانِي مُنَادٍ بِلُغَةِ أبِي بَكْرٍ : قِفْ إنَّ رَبَّكَ يُصِلِّي ، فَبَيْنَا أنَا أتَفَكَّرُ فِي ذلِكَ فَأقُولُ هَلْ سَبَقَنِي أبُو بَكْرٍ ؟ ، فَإذَا النِّدَاءُ مِنْ العَلِيِّ الأعْلَيَ : أدْنُ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ , أدْنُ يَا أحْمَدُ , أُدْنُ يَا مُحَمَّدُ , لِيَدْنُوَ الحَبِيبُ ، فَأدْنَانِي رَبِّي حَتَّي كُنْتُ كَمَا قَالَ تَعَالَيَ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّيَ فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أوْ أدْنَي} قَالَ وَسَألَنِي رَبِّي فَلَمْ أسْتَطِعُ أنْ أجِيبَهُ ، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ بِلا تَكْييفٍ ، وَلا تَحْدِيدٍ ، فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ ، فَأَوْرَثَنِي عِلَمَ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ , وَ عَلَّمَنِي عُلُومَاً شَتَّي , فَعِلْمٌ أَخَـذَ عَلَيَّ كِتْمَانَه ، إِذُ عَلِمَ أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَيَ حَمْلِهِ أَحَدٌ غَيْرِي , وَعِلْمٌ خَيَّرَنِي فِيهِ , وَعَلَّمَنِيَ القُرْآنَ}[1]
وقد كشف القسطلاني في المواهب {الجزء الثاني ص33} سر رؤياه صلى الله عليه وسلم للجمالات الذاتية حيث يقول {ولبعض أهل الإشارات كأنَّ الله قال له : يا محمد قد أعطيتك نورا تنظر به جمالي , وسمعا تسمع به كلامي , يا محمد إني أعرِّفك بلسان الحال معني عروجك إليَّ يا محمد ، أرسلتك إلي الناس شاهدا ومبشرا ونذيرا ، والشاهد مطالب بحقيقة ما يشهد به فأريك جنَّتي لتشاهد ما أعددت فيها لاوليائي ، وأريك ناري لتشاهد ما أعددت فيها لأعدائى ، ثم أشهدك جلالي ، وأكشف لك جمالي ، لتعلم أني منزه في كمالي عن التشبيه والنظير والوزير والمشير ، فرآه صلى الله عليه وسلم بالنور الذي قواه من غير إدراك ولا إحاطة ، فردا صمدا ، لا في شئ ، و لا من شئ ، ولا قائما بشئ ، ولا علي شئ ، ولا مفتقرا الي شئ ، ليس كمثله شئ ، فلما كلَّمه شفاها ، وشاهده كفاحا ، قيل له يامحمد لا بد لهذه الخلوة من سر لا يذاع ، ورمز لا يشاع , فأوحي الي عبده ما أوحي ، فكان سرا من سر ، لم يقف عليه ملك مقرب , ولا نبي مرسل ، وانشد لسان الحال :
بين المحبين سر ليس يفشيه قول ولا قلم في الكون يحكيه
سر يمازجه أنسي يقابله نور تحيَّر في بحر من التِّيه
}[2]