بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين و أفضل الصﻼة و أتم التسليم على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
الله جل جﻼله حينما فرض علينا فريضة الصيام كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يقوي إرادتنا على طاعته فكأن هذا الشهر دورة تدريبية كي ننتقل من حال إلى حال، من مقام إلى مقام، من منزلة إلى منزلة، ففي رمضان يؤدي اﻹنسان صلواته بشكل متقن و في المسجد و قد ورد في بعض اﻷحاديث أنه:
(( حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ))
[ مسلم، الترمذي، أبو داود، أحمد، مالك، الدارمي ]
فإذا ألف المؤمن الصلاة في رمضان في مسجد و في جماعة، مع إخوانه المؤمنين حيث التعاون و التكاتف و التضامن فينبغي أن يتابع هذه الطريقة في أداء صلواته بعد رمضان ﻷن رمضان فيه قفزة نوعية،
سوء مدهش أن معظم المسلمين يتوهمون أن الطاعة في رمضان، و أن الضبط في رمضان، و أن اﻹنفاق في رمضان، و أن القرآن في رمضان، فإذا ولى رمضان عاد إلى ما كان عليه قبل رمضان، و لم ينتفع شيئاً من هذه العبادة، و الله سبحانه و تعالى ﻻ يعقل أن يريد من صيامنا أن ننضبط في شهر واحد من شهور السنة، بل إن هذا اﻻنضباط في الشهر ينبغي أن ينسحب على كل أشهر العام و نحن في أول أيام العيد ﻻ يفطر إﻻ فمنا على الطعام و الشراب، أما انضباطنا و غض بصرنا و ضبط لساننا و إنفاق مالنا و تﻼوة القرآن هذه كلها ينبغي أن تستمر و كأن الذي يصوم رمضان يصعد درجاً ففي كل عام يرتفع إلى مستوى أعلى و يتابع هذا المستوى، و يأتي العام الثاني فيرتفع إلى هذا المستوى و يتابع، أما العودة إلى ما كنا عليه كأننا أبطلنا حكمة هذا الصيام و كأننا أبطلنا حكمة هذا القيام، فالمكاسب التعبدية و المكاسب التعاملية التي حققناها في رمضان ينبغي أن نتابعها إلى نهاية العام، ينبغي أن ترتقي ﻻ أن نتدنى، رمضان متابعة للتلقي و ليس مدافعة للتدني، رمضان شهر القفزة النوعية، رمضان شهر الصلح مع الله، رمضان شهر الثبات على الطاعات، فﻼبد من أن تتابع هذه القضايا بعد رمضان، ثم إنني أذكر اﻹخوة الكرام الذين قصروا في رمضان و الذين فاتتهم فضائل هذا الشهر يمكن أن يكون كل شهر بعد رمضان كرمضان، فالله سبحانه و تعالى معنا في كل اﻷشهر و اﻷعوام، و الله سبحانه و تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، و أحب اﻷعمال إلى الله أدومها و إن قلّ، في علم التربية هناك شيء اسمه التراكم، ما لم يكن هناك تراكم للطاعات و تراكم للمعامﻼت الطيبة لن يحقق اﻹنسان الهدف، الحقيقة أن صعود القمة شيء عظيم جداً، و لكنه حينما ينتهي إلى الحضيض ﻻ قيمة له، فالبطولة ﻻ أن أصل إلى القمة بل أن أبقى فيها، البطولة ﻻ أن أحافظ على ضبط حواسي الخمس في رمضان ثم تتفلت بعد رمضان، البطولة ﻻ ينبغي أن أضبط سلوكي في رمضان ثم أتفلت بعد رمضان، هذا الكﻼم غير مقبول عقﻼً و ﻻ نقﻼً و ﻻ شرعاً و ﻻ منطقاً، فهذا الذي يعبد الله في رمضان و كأنه أزاح عن كتفه عبئاً كبيراً بعد رمضان، هذا الموقف ليس إسﻼمياً، و ليس موقفاً عقﻼنياً، و ﻻ موقفاً يليق باﻹنسان العاقل، حقق مكآسبآ ثم تخلى عنههـآ
تحيآتي وودي ...